top of page

بَدِل ما تقِلّا كِش، اْكسِرلا إجرا



في الآونة الأخيرة، وتحديدًا منذ الأسبوع الفائت، صرنا نسمع أكثر فأكثر مقدّمي البرامج الحواريّة السياسيّة يردّدون لضيوفهم المصنّفين ممانعين؛ "احترموا عقولنا"، "بدنا نحترم عقول اللي عم يحضرونا"، "الناس ما عادوا يتقبّلوا هالمنطق"...الخ.

برأيي، عوض أن يطالب مقدّمو البرامج باحترام العقول، عليهم أن يرأفوا هم أوّلًا بعقولنا، وليكفّوا عن استضافة البُله المُستأجَرين لبيع اللبنانيين أوهامًا كاسدة ومنتهية الصلاحيّة. مِن حقّ متابعيكم عليكم، أيّها المقدِّمون، بأن تكسروا أرجل هؤلاء عن شاشاتكم، وهذا لا يُعدّ تعدّيا على حريّة الرأي، بل حفاظًا على أخلاقيات مهنة الصحافة التي تحتّم حماية سلوك الناس وعقولهم من التفاهة.

لنأخذ بعض الهَلوَسات ألـ "كليشيه" التي تتكرّر على الشاشة من دون أن يصوّبها معدّ أو مقدّم أو حتّى ضيف يتحلّى بالمعرفة ولكنّه يفضّل الصمت؛ إمّا خوفًا، وإمّا لقلّة إلمامه بالموضوع، وإما تسليمًا بالشائع والمتداول على قاعدة "حط راسك بين هالروس".

أطلّ علينا أحد المُهلوِسين في برنامج مشهور قائلًا: "إسرائيل هي عدو للبنان بحسب الدستور"! للأسف، لا المقدّم، ولا ضيوفه علّقوا على هذا الكلام!! أكان يصعب عليهم سؤال المُهلوِس عن المادة التي تنصّ على أنّ "إسرائيل عدوّة" في الدستور اللبناني؟ لماذا لم يُقارَع المُهلوِس لتحريفه الدستور عن قصد، ولغاية، أمام مئات الآلاف من المشاهدين!؟ أَخَوفًا، أم خضوعًا لخطوط حمراء ممنوع تجاوزها؟ وإذا كان المقدِّم يجرؤ على القول للمُهلوِس "بدّك تحترم عقولنا"، فلماذا لا يُفحمه ويبيّن للناس أنّ لا إشارة واحدة في دستورنا إلى أنّ "إسرائيل عدوّة"، بل على العكس، في نصّ اتّفاق الطائف "يتمسّك لبنان باتّفاقيّة الهدنة الموقّعة مع إسرائيل في 22 آذار 1949"، ومن دون أيّ ذكر لكلمة "عدوّ" في النص؟

ولماذا لا أحد، ممّن يحتلّون الشاشات، يشرح للناس أنّه لا يوجد دستور واحد بين كلّ دساتير العالم يحدّد مَن هو العدوّ، لأنّ العداوة ليست حالة ثابتة، وإنّما متغيّرة ومحكومة بتفاهم أطراف النزاع؟

المواقف المروِّجة لعداوة أبديّة مع إسرائيل، ولاستحالة عقد سلام معها، ليست محصورة في برنامج حواري واحد، بل هي معمّمة على كافة البرامج والمحطات اللبنانيّة من ضمن حملة منظّمة ترمي إلى تبرير الإبقاء على سلاح المحتلّ، حزب الله، بانتظار "إزالة" إسرائيل النوويّة من الوجود بمضغ مخدّر القات اليمني، وبوهم وحدة الساحات، وبهرطقة حسن نصرالله المنتصب أصبعه دومًا وبلا خجل.

يُهلوسون، ثمّ يُهلوسون، وأفظع من هلوساتهم أنّهم يصدّقون بأنّهم بالحقّ يجاهدون.

أحدهم، نائب، أبرز حججًا تُبيّن أنّ والده يملك أراضٍ في مزارع شبعا، وبحسب رأيه، تؤكّد هذه الملكية لبنانيّة المزارع!! يا أخي أشفق علينا؛ جاري وابن بلدتي هاجر إلى برشلونة واشترى منزلًا وعقارًا فيCarrer Paris ، فهل أصبح بإمكاننا اعتبار هذه المنطقة لبنانيّة تابعة عقاريًّا لمشاع بلدتنا الصفرا، وتغيير اسمها إلى Carrer Safra!!؟

وعندما تؤكّد لهم أنّ مزارع شبعا احتلتها إسرائيل من السوريين في حرب الستة أيّام (1967)، وانّ لبنان لم يُشارك يومها في الحرب لتكون إسرائيل قد احتلّها منه، يُجيبونك بغباء استبدادي ولا أحد يردعهم: "خلّي إسرائيل ترجّعلنا ايّاها ونحنا منتصافى مع سوريا"!!! مع العلم بأنّ إسرائيل قبلت بهذا الطرح مشترطةً موافقة سوريا عليه أولًا، وإقرار الأمم المتحدة بمفاعيله، لكن هذا لم يحصل. مع ذلك، يأتيك نائب لبناني يكذب بوقاحة مدّعيًا بإنّ سوريا وافقت خطّيًّا، لكنّ الامبرياليّة الأميركية والأمم المتّحدة عطلا الأمر!!! كان بودّي أن يُحرج أحدهم هذا النائب ويسأله إبراز نسخة عن موافقة سوريا الخطيّة، لنرى ردّة فعله حينها.

ثمّ يأتيك متكلّفون شيعة يُريدون استعادة "القرى السبع" من إسرائيل، مرتكزين على خريطة سايكس بيكو الأساسيّة (1916) التي ألحَقَت هذه القرى بمنطقة الانتداب الفرنسي، ومتجاهلين العديد من التغييرات المُثبتة لاحقًا في عصبة الأمم، ومن بينها تعديل الخريطة التي حملها البطريرك الياس الحويّك إلى مؤتمر باريس للسلام (1919)، وسَلْخ "القرى السبع" من مشروعه لبنان الكبير، لأنّها كانت موضع نزاع يبن الإنكليز والفرنسيين انتهى بضمّها إلى منطقة الانتداب البريطاني في شمال فلسطين عام 1923، ما جعلها بحسب خريطة سايكس بيكو النهائيّة قرىً فلسطينيّة وليس لبنانيّة.

هنا، عندي سؤال جوهري:

هل يحقّ للشيعة المطالبة باستعادة "القرى السبع" وهم يوم رُسمت خريطة المنطقة كانوا ضد فكرة الانضمام إلى لبنان، وشكّلوا العصابات للاعتداء على الفرنسين وعلى القرى المسيحيّة للتعبير عن رفضهم، ولا يزال مفتيهم "المفتري" الممتاز، لغاية البارحة، يعتبر سايكس بيكو اغتصابًا، ولبنان الكبير عطيّة للموارنة!؟ وإذا كان هذا المفتي "المفتري" لا يعترف بخريطة سايكس بيكو، فبماذا يعترف غير بجنّة الحوريّات؟ أيقرّ بالخريطة التي كانت قبل سايكس بيكو، أي بتلك التي كانت تعتبر "القرى السبع" والشقيف وصور من أعمال ولاية صفد الإسرائيليّة.. عفوًا "الفلسطينيّة المحتلّة"؟ لا أستبعد أن يكون هذا المفتري راغبًا في ضمّ شيعة لبنان إلى إسرائيل، خصوصًا متى حلّلنا تصاريحه ومواقفه، وربطناها بالحقائق التاريخيّة.

هلوسة أخرى، وليست الأخيرة، تتردّد على الشاشات ولا مَن ينقضها عن جدارة، ألا وهي: "المقاومة تحمي الجنوب ولبنان". هلوسةُ يرفضها دُعاة اللا-حرب بحجّة هزيلة، قائلين: "من طلب من المقاومة الدفاع عن لبنان؟ الجيش وحده يدافع عن لبنان"! للإجابة على هكذا اختلاق ذهنيّ، أدعو جميع اللبنانيين إلى المقارنة بين ما كانت عليه أوضاع الجنوبيين في زمن جيش لبنان الجنوبي وما هي عليه اليوم؛

مع جيش لبنان الجنوبي، المتحالف مع إسرائيل، كانت أكثر فترة ازدهر فيها الجنوب منذ استقلال لبنان، كان الإعمار، والبحبوحة، وتطوير الزراعة، والاستفادة من الموارد المائيّة، والكهرباء 24/24، وإنشاء البنى التحتيّة... الخ.

 اليوم، مع الجهاد الإسلامي في ظلّ النفوذ الإيراني؛ دمار، ثمّ دمار، ثمّ دمار وإبادة قرى عن بكرة أبيها، وإسرائيل تُحضّر لضمّ جنوبنا إلى "القرى السبع" وليس العكس، وشيعة ومتشيّعين يهذون بالأوهام على الشاشات.

صار الوقت لإغلاق الشاشات في وجه هؤلاء المهلوسين حتّى تجريد حزب الله من سلاحه، وجرّه إلى المحاكمة بتُهم تدمير لبنان وقتل أبنائه عام 2006، وتدمير الجنوب وتهجير أبنائه، وقتل خيرة شبابه، تمهيدًا لضمّه إلى إسرائيل، عام 2024.

وبالانتظار، ليس كلّ الناس جديرين بالظهور والتكلّم على محطّات التلفزة والإذاعات، وكفى هذيان وأخيلة لا تخضع للمنطق.

0 comments

Comments

Rated 0 out of 5 stars.
No ratings yet

Add a rating
bottom of page