
مارونايت نيوز - يصعُب على اللبنانيين التكيُّف مع سلطات الأمر الواقع التي وصلت إلى السلطة خلافًا للنظام الديمقراطي، نتيجة للتطورات الهائلة والمتسارعة التي يتعرّضون لها من قبل هذه السلطة، التي تُمْعِن في الفساد والإفساد وتبديد مصالحهم على كافة المستويات.
إنّ اللبنانيين يعيشون حالة خوف وقلق مستمرة بين الحرب التي شُنّت على لبنان وطالت أغلبية المناطق اللبنانية. والإشكالية ليست في الأوضاع القائمة، إنما في منظومة سياسية تحكم خلافًا للنظُم الديمقراطية، وهذا الأمر بات يُشكل خطرًا على حياة اللبنانيين وعلى مصيرهم في الجمهورية اللبنانية. وهم حتمًا يُعانون من الإهمال، والبطالة، والهجرة.
لقد فقد الشعب اللبناني الثقة بالطبقة السياسية وبقدرتها على استنباط حلول إنقاذية توقف مراحل الانهيار السياسي، الأمني، الاقتصادي، المالي، والاجتماعي. وهذا الأمر يزيد النقمة الشعبية على ممارسي السلطة، بسبب التداعيات التي باتت أكثر حدّة، مما أجبر أغلبية اللبنانيين على الهجرة وفقدان الأمل في إمكانية التأثير على ساسة الأمر الواقع.
عطفًا على بعض المذكرات التي تصل إلى مركزنا PEAC، فإنّ الشعب اللبناني يواجه أكبر أزمة مالية – اقتصادية، لأنّ الإصلاحات لم تُنفَّذ حتى الآن. وتذكر المذكرات أنّ المحللين الاقتصاديين توقّعوا أزمات اقتصادية، مالية، واجتماعية، خصوصًا بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان. دون أن ننسى أنّ هناك أزمة إنسانية وانخفاضًا في قيمة العملة، فضلًا عن إقفال المؤسسات الخاصة وانهيار الخدمات العامة في وقت تشتد الحاجة إليها.
والجدير ذكره أنه في علم السياسة والاجتماع، تقع مسؤولية التنمية في الدول أولًا على النظام السياسي القائم، وليس على المجتمع الدولي. وثانيًا، من المفترض أن يكون النظام السياسي على قدر من المسؤولية، وأن يضع مصلحة البلد ومصلحة اللبنانيين على رأس الأولويات.
في الوقت الحاضر، انتُخِب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وتشكّلت حكومة. ومن الواضح أنّ هذا الأمر جيد، ولكن هناك عوائق كثيرة وكبيرة أمام العهد، وهناك عدم ثقة من اللبنانيين في من يُمارسون السلطة، سواء أكانوا نوابًا، أحزابًا، أو مسؤولين. ومن الطبيعي، في ظل هذه الأجواء، ألّا يكون هناك مستثمر واحد مستعد للقدوم إلى لبنان، ما لم تكن هناك ثقة واضحة جدًا في النظام المصرفي، المؤسسات، وما إلى ذلك... كل هذه الأمور تدلّ على أنّ الأوضاع تشي بخطورة كبيرة، ويجب التنبّه لمخاطرها وانعكاساتها على اللبنانيين.
خطورة ما يجري مع الشعب اللبناني تتطلب انتفاضة ذات بُعد إصلاحي، وعلى الشعب اللبناني أن يعلم أنّ ما يجري من حوله ليس سوى مسرحية متقنة المشاهد، تُديرها أيادٍ سياسية فاسدة، سواء أكانت علمانية أم روحية. كما أن أدائهم السياسي والروحي على حدّ سواء يثير الجدل. والأسوأ من ذلك، أنّ هذه الأفعال تهدف إلى تهجير اللبنانيين من بلدهم واستقدام شعوب أخرى. وقد حصل ذلك بالفعل، ولا حاجة للتذكير بمراسيم التجنيس التي حصلت منذ العام 1994 وحتى نهاية العهد السابق، وما نتج عنها من خلل ديموغرافي وهجرة.
الغريب أنّ الشعب اللبناني يُدرك كل هذا البلاء، وإذا به، أو جزء منه (المضلّلون والمنتفعون)، يرضى بما هو حاصل. وبرغم وضعه السيّئ، يصل الشعب اللبناني إلى الاستسلام للأمر الواقع، رغم تأثيره الكبير عليه ونتائجه التي تحدّد ظروف حياته ومعيشته. فتصبح حالته ميؤوسًا منها، بدلًا من أن يكون ساعيًا لهدم جدران هذه المأساة برمّتها. والأغرب من ذلك، أنه كلما تعرّض الشعب اللبناني لموجات من الظلم والمعاناة على يد ساسة الأمر الواقع، علمانيين وروحيين، يبرز خطاب تبريري منهم، ويصدرون تصريحات يُحمّلون فيها الشعب مسؤولية البلاء الذي أصابه.
إنه لمن الظلم والغفلة أن يتم التعاطي مع مآسي الشعب اللبناني بهذا الإجحاف والسذاجة. لا بل من المجحف أن تصدر تصريحات من بعض المراجع الرسمية، تحمل طابعًا كيديًا، وتكون مغلّفة بشروط تعجيزية لا تنسجم مع متطلبات المرحلة الحاضرة، وخصوصًا عقب الزيارات التي قامت بها رئاسة الجمهورية مؤخرًا. ومن المعيب أن تُلقى المسؤولية على من يتولّون حاليًا زمام الحكم، بينما يُعفى من كان السبب في كل هذه الويلات.
إزاء ما يحصل، لا مفرّ من أن نقدِم، كمثقفين وناشطين، بشجاعة على مغامرة إصلاح سائر المؤسسات السياسية، المالية، الاجتماعية، والاقتصادية، كي تكون أكثر كفاءة وفعالية. ولكن وفق رؤيتنا كمركز أبحاث PEAC، من المفترض أن يتم ذلك بأكبر قدر من الشفافية والموضوعية، وبالتجرّد عن المصالح الشخصية، والسعي لتحقيق الصالح العام وحده. وهو ما يجب أن ينعكس على تحسين مستوى رفاهية الشعب اللبناني. والخطوة الأولى في طريق الإصلاح هي وعيٌ عام يؤمن بأنّ اليأس والإحباط لن يحققا أي تقدُّم ملموس أو نهضة مأمولة.
إنّ الظروف الموضوعية لانتفاضة شعبية تدعم العهد الحالي، بالمعنى الحقيقي للكلمة، تتطلب إرادة شعب حر فاعلة، وقدرة واستعدادًا، وطموحًا فكريًا حرًا، لنشاط سياسي متنور، ديمقراطي، ومتقدّم. على أن يستهدف هذا النشاط المنتفض رفع مستوى وعي المجتمع وانتظام أفراده، وتأمين شروط حياة كريمة، وتطوير مؤسسات الدولة، وإبعاد سلطات الأمر الواقع عن مراكز القرار بالطرق القانونية.
Comments